تاريخ الدول

الثورة التونسية كيف بدأت؟ وما هي نتائجها بعد 9 سنوات على اندلاعها

لقد كان الحال في تونس كما هو الحال في معظم الدول العربية يعيش الإنسان ليسد رمقه وأكبر طموح له هو أن يستطيع إطعام أهل بيته بعد يوم مليء بالتعب والجهد ولا ننسى أن نضيف على ذلك الذل الذي يحيط به من كل جانب.

بداية الثورة التونسية

منذ تسع سنوات وتحديداً في 17 ديسمبر عام 2010، تعرض شاب يبلغ من العمر ست وعشرون عاماً لمصادرة مصدر رزقه (عربة) وعندما طالب بحقه وهو الشيء الطبيعي الذي يفطر الإنسان عليه -ولكن تتراجع نسبته في الدول العربية بسبب التعود على الكبت وانعدام الحريات- عندها قام أفراد الشرطة وعلى رأسهم الشرطية فاديا حمدي بضربه وإهانته.

لم يستطع عندها الشاب محمد البوعزيزي تحمل الإهانة فأقدم على إضرام النار بجسده أمام مبنى المحافظة فأشعل بذلك النار في قلب وعقل كل تونسي وكل عربي شريف فبدأت ثورات الغضب التي تحولت إلى ثورة حقيقية تطالب بالكرامة والحرية وهي الثورة التونسية .

محمد البوعزيزي

وقد كانت بداية هذه الثورات بقيام العشرات من المواطنين في بمدينة سيدي بوزيد بالجنوب التونسي بالتظاهر أمام مقر محافظة المدينة للتعبير عن غضبهم، وقد قوبلت تلك الجموع الغاضبة ذلك الغضب الشريف، غضب الحق بالقمع من قبل قوات الأمن أملاً منهم بأن تتوقف الحكاية عند ذلك الحد.

تسلسل أحداث الثورة

إن الحكاية لم تتوقف عند ذلك الحد بل توسعت الحشود الشعبية في 24 ديسمبر في ولاية سيدي بوزيد مما أدى لوفاة شخصين برصاص الأمن في مدينة منزل بوزيان، وذلك أدى لتزايد حالة الغضب خصوصاً مع تزايد اعتقال الناشطين السياسيين والحقوقيين. فاتسعت المناطق الغاضبة والمؤازرة لولاية سيدي بوزيد لتشمل القصرين وغيرها.

ورغم كل ما جرى ورغم الاعتقالات والشهداء الذين سقطوا برصاص الأمن، إلا أن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي كان قراره لإصلاح الموقف هو عزل محافظ سيدي بوزيد بالإضافة لولاة آخرين لكن ذلك لم ينجح بالطبع خصوصاً بعد أن فارق بوعزيزي الحياة في 5 يناير 2011 ليرتقي شهيداً ومنارة أنارت طريق الكرامة لباقي الثوار.

وفي تلك الأثناء وحتى 7 يناير قامت الجموع الغاضبة بإحراق بعض المقرات الرسمية والتي شملت بعضها مقرات لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي يحكم البلد.

لتصبح بعدها الصدامات أعنف والشهداء والجرحى أكثر خصوصا في تالة والرقاب، وفي الفترة بين 8 و10 يناير ارتفع عدد الشهداء برصاص القناص ليصل إلى أكثر من خمسين، وفي 10 يناير وصلت موجات الغضب والمظاهرات للقيروان وحينها وصف بن علي تلك التظاهرات بأنها مجموعات إرهابية ملثمة ووعد بتأمين فرص عمل للشباب الجامعيين. لكن ذلك الخطاب لم يستطع طبعاً أن يهدئ من حدة الموقف بل ضاعف الغضب ليصل إلى العاصمة التونسية وبعدها إلى جميع أنحاء البلد.

وفي 12 يناير عاد بن علي لاتخاذ قرارات خاطئة ظناً منه بأنها قد تنهي الفوضى التي عمت بالبلد فأقال رفيق بالحاج قاسم وزير الداخلية وقد صرح بذلك الوزير الأول محمد الغنوشي، كما أطلقوا سراح المعتقلين ماعدا المتورطين بأعمال عنف.

لكن الضحايا استمرت بالتزايد وقد قتل أول أجنبي حاتم بالطاهر وهو فرنسي من أصل تونسي وقد قتل في مدينة دوز بولاية قبلي. 

انتشر الجيش في البلاد وتم فرض حظر التجوال في محاولة يائسة لوقف الثورة لكن الاحتجاجات استمرت والغضب تزايد خصوصاً مع تزايد عدد الشهداء، واعتقال حمة الهمامي الناطق باسم حزب العمال الشيوعي وهو حزب محظور من قبل الدولة.

وفي 13 يناير تحول الغضب لأعمال تخريبية وحرق ممتلكات أقارب بن علي وزوجته في منطقة الحمامات، وبعد كل هذه الأحداث وبعد كل الإصرار الشعبي يصر بن علي على إسكات غضب الشعب و على قتل الكرامة داخل كل ثائر يمضي متأثراً بجروح كرامته. ويلقي خطابه الثالث منذ اندلاع الثورة مصرحاً بأنه لن يترشح لانتخابات 2014 وبأنه سيغير الأوضاع ويسمح بحرية التعبير. إلا أنه ويا للغرابة يستمر تزايد عدد الشهداء في العاصمة والقيروان وغيرها حتى في نفس هذا اليوم المليء بالوعود الوردية.

تسارع الأحداث وهروب بن علي

تسارعت الأحداث في اليوم التالي في 14 يناير وأعلن بن علي عن حل الحكومة وإجراء انتخابات برلمانية وقد تم إعلان حالة الطوارئ وانتشار قوى الأمن بشكل وحشي ومثير للرعب. كما أعلن الوزير الأول محمد الغنوشي نفسه رئيساً مؤقتاً وفق الفصل 56 من الدستور، وهو بالتأكيد ما لم تقبل به الجماهير واعتبرته استغلالاً لصوت الشعب ولأرواح الشهداء.

وفي 15 يناير أعلن المجلس الدستوري بشكل رسمي شغور منصب الرئيس، فانتقلت صلاحيات الرئاسة المؤقتة إلى رئيس مجلس النواب فؤاد المبزّع.

وتسارعت الأحداث الخاصة بالثورة التونسية، بعد هروب بن علي إلى السعودية، أي تنحيه عن الحكم بعد 23 عاماً فكانت الكلمة الأخيرة في هذا الحكم للشعب وكما يقول الشاعر أبو القاسم الشابي: إذا الشعب يوما أراد الحياة. فلا بد أن يستجيب القدر.

وفي 23 أكتوبر تم إجراء انتخابات “المجلس الوطني التأسيسي” و انتخب المجلس الوطني التأسيسي المنصف المرزوقي “رئيسا مؤقتا” للبلاد.

الثورة التونسية

توالي الحكومات والنتائج بعد الثورة

في أواخر 2014 أجريت في تونس انتخابات تشريعية ورئاسية تم على إثرها تعيين الباجي قايد السبسي رئيس للبلد وقد انتهت فترة رئاسته بوفاته في 25 يناير 2019.

ليستلم بعده الرئاسة محمد الناصر التابع لحزب نداء تونس وهو الآن الرئيس الحالي لتونس. لقد توالت العديد من الحكومات على تونس في فترة ما بعد الثورة بالإضافة الى تعديلات وزارية وخلافات بين الاحزاب.

يجدر بالذكر أن ثورة الكرامة أو ثورة الياسمين كما يسميها البعض حققت قفزة كبيرة في مفهوم الحرية والكرامة في تونس خاصة وفي الدول العربية عامة، لكن للأسف فإنها لم تحقق تحسين مستوى المعيشة والخدمات الأساسية من صحة وتعليم ونقل الذي شهدت تدهورا رهيبا نتيجة ضعف ميزانية الدولة حيث أن الحكومات اللاحقة قد ورثت وضع اقتصادي صعب.

وأكبر دليل على ذلك قيام المصور الصحفي عبد الرزاق زرقي بإعادة فتح الجروح التي لم تلتئم بعد، حيث أعاد مشهد بوعزيزي وأضرم النار بنفسه بسبب الفقر والبطالة والتهميش الذي يعانيه هو ومدينته القصرين ودعا أبناء مدينته بالثورة ضد هذا الوضع وقد أوضح أسباب انتحاره في فيديو صوره قبل ساعات من إشعال نفسه والتي تمثلت بالبطالة وخاصة في القصرين.

نتمنى أن ينعم الشعب التونسي باستقرار أكبر من جميع النواحي وأن يلقى ثمار صموده في الثورة التونسية، وأن تنعم الشعوب العربية كلها بالكرامة والاكتفاء والسلام ودمتم بخير.

هبة الله الدالي

مهندسة طاقة كهربائية، ومحررة، وكاتبة محتوى إبداعي ومتوافق مع محركات البحث في جميع التخصصات.
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى